كانت الام في المطبخ تفرم اللحم "بالمفرمة "وابنها دخل لتوه عائدا من عمله.. كان ذلك اليوم كئيبا بالنسبة "لسعيد "ابن الثالثة والعشرين عاما ..فقد تشاجر مع رب العمل وخرج غاضبا وهو كعادته دائما سيجد مشاجرة اخرى تنتظره في المنزل مع ابيه او امه او احد اخوته العشرة 5 ذكور و5 اناث )...كانت امه تفرم اللحم ...فساعدها على فرم جسدها ...!وقال لسلطات التحقيق باكيا منهارا ...ابي السبب !.
سعيد ...الولد الوديع الهاديء ..ذو القسمات البريئة ...طالب الثانوية العامة ,تحول الى مجرم بين ليلة وضحاها ...كان طموحه ان يدخل كلية الاداب لأنه ينظم الشعر ويكتب القصص القصيرة وله نشاطات عديدة وكان ايضا محبوبا من قبل مدرسيه وزملائه الا ان حالات شديدة من الاكتئاب كانت تنتابه بين فترة واخرى منذ الصغر ونتيجة لقلة الرعاية الاسرية تحولت الى الم مزمن في الراس ثم ساءت حالته فاصيب بالصرع ...
كانت التشنجات العصبية تصيبه داخل الفصل مما كان يفزع زملائه الطلاب الذين تعودوا هدوئه ...فاضطرت ادارة المدرسة الى فصله ,فعمل بائعا متجولا ثم عتالا ثم كاتبا بسيطا في احدى الشركات للصرف على اسرته "كثيرة العدد "حيث كان ابوه سكيرا ...وزير النساء ومقامرا يمضي وقته في العربدة والعبث وبحكم عمله سائقا لشاحنة فقد اختلط بالعديد من الرجال الذين قادوه الى الفساد والرذيلة والميسر ولهذا فقد كان واضحا ان سعيد نشأ في عائلة محطمة ,يحاول ان يرمم ما استطاع دون جدوى ...!!
عندما كان صغيرا كان يقف حائلا بين ابيه وامه التي كانت تتلقى الضرب المبرح كل يوم من الاب الذي سرعان ما ينتهي منها ليعود الى سعيد يمسك براسه ويطرقه بالجدار مرات ومرات الى ان اصابه الصرع واصبح لا يطيق الاصوات العالية ,بل كان ابوه يطرده من المنزل لاسبوع او اسبوعين يظل خلالها يتسكع بالشوارع ويرافق اولاد السوء حتى اتصف بعادات سيئة ...اخذت امه تتذمر منها وتهاجمه باستمرار ...ولم ينفع معه نصحا او ارشادا فقد كان يثور لاتفه الاسباب وتتطور حالته الى حد التشنج العصبي وبسبب كره امه للزوج المقامر كانت تعكس ردود فعلها تجاه اولادها بتصرفاتها القاسية معهم وتعاملهم بخشونة ملحوظة حتى الجيران ملوا شجاراتهم وتصرفاتهم اليومية ....
وفي احد الايام كان سعيد يمر مبكرا امام احدى المدارس الثانوية للبنات ...وشاهدها ...بنت في السابعة عشر ربيعا جميلة القوام ...ظل يلاحقها بنظراته الشاردة ويوما بعد يلاحقها بنظراته الشاردة ويوما بعد يوم تطورت هذه النظرات الى حب متبادل بين الطرفين وفاتح امه لخطبتها من اهلها بعد ان استدل على منزلها ثارت في وجهه ولعنته بشتى انواع اللعن البذيء معللة ذلك بأن ابنها لا يمكن ان يحب واحدة من الشارع فأجابها وهو يصفق الباب بوجهها : الشارع ارحم منك..!!
لا يعرف سعيد هذا التحول الكبير الذي انتاب امه بعد ان اراد الزواج من فتاته ، اخذت تكرهه ولا تحب ان تراه ودائمة الشجار معه بسبب وبدون سبب وتكره ان تسمع سيرة الفتاة واذا ذكرها امامها قامت الدنيا ولم تقعد .ولم يحل كره امه لفتاته ان يلتقيها او ان يخطط معها مشروع الزواج وعندما سمعت امه بذلك من الجيران ذهبت الى اهل الفتاة واقنعتهم بأن ابنها مجنون ومريض بالصرع ويصاب بالتشنجات العصبية حيث يكسر الزجاج والنوافذ والاغراض ويضرب كل من يكون امامه في تلك اللحظة .
اقتنع اهل الفتاة بكلام الام ومنعوا ابنتهم من ان تلتقيه وصارت الفتاة تهرب من طريقه وصار هو يعترض طريقها كلما ذهبت او عادت من المدرسة حتى اشتكت لمدرستها من هذه المضايقات وعند محاولة القبض عليه من قبل رجال الشرطة هرب الا انه اقتنع اخيرا بعدم ملاحقة الفتاة.
وعاد يوما للمنزل في حال غير الحال متوتر الاعصاب نتيجة مشاجرة مع رب العمل كان متعبا غاضبا كبركان يستعد للانفجار .. هذه الحمم من يوقفها عن الجريان..!!
الام في المطبخ والابن يغتسل لازالة ما علق بيديه ووجهه من شجاره مع رب عمله ، جاءت الام تلومه لانه يبذر في الماء ، ناقشها حول نفس الموضوع ثم انتقلا يتناقشان حول موضوع الفتاة وموضوع اثر موضوع واصبح النقاش حادا بل تحول الى مشاجرة مميته اسرعت الام الى المطبخ والتقطت سكينا كبيرا ووضعتها على رقبته الا انه خطفها من يدها وغرزها في بطنها ، صرخت الام صرخة مكتومة كأنها تلعن البطن الذي حمله تسعة اشهر وسقطت على ظهرها والسكين عالقة بصورة عمودية ببطنها ، كان منظر الدم قد احاله الى وضع هستيري غريب نسي ان التي سقطت امه وانه قتلها.
مد يده الى الزر الكهربائي وادار المفرمة الكهربائية وسحب السكين من بطن امه واخذ يقطعها ويسلخ اللحم عن العظم كأنه يقطع خاروفا ثم جلب اكياسا وضع اللحم المفروم بكيس والعظام بكيس آخر، والرأس الذي لم يعالجه بالمفرمة وضعه في كيس ثالث حاول التخلص في البداية من مخلفات جريمته بالقاء الاكياس الثلاثة في حاوية الزبالة الا انه عدل عن هذا الرأي وخرج من المنزل كالمجنون يمشي في الطرقات والازقة حتى عادت احدى شقيقاته وفتحت احدى الأكياس وشاهدت رأس امها فسقطت مغشيا عليها ولم تستيقظ الا في المستشفى .
اما سعيد فقرر اخيرا تسليم نفسه الى اقرب مركز شرطة وانهار امام الضابط وهو يحكي له روايته والضابط غير مصدق لما سمع ثم استطرد سعيد قائلا: ابي هو السبب!
الطبق اليومي
كان سعيد يجلس داخل زنزانته وحيدا شارد الذهن وعندماامره الضابط بالخروج للقائنا رفض رفضا باتا لكن الضابط اقنعه ان اللقاء لصالحه ، جلس امامنا وهو يغطي وجهه حيث رفض التصوير ثم انزل يديه واخذ يكلم نفسه دون ان نسأله .. ابي لم يكن رؤوفا بنا وامي شاركته قسوته حيث كانت تهرب من مشاكلنا الى ممارسة تعذيبنا وصرنا موزعين بين عدم الرحمة والقسوة المتناهية اخذنا نهرب من مشاكلنا بقبول القسوة بطيب خاطر حتى انني لا استكين او يهدأ بالي يوما دون مشاجرة مع امي او احد اخوتي.
- هل اوصلتك هذه المشاكل والمشاجرات الى ما انت فيه؟
انها جزء اساسي من مشاكلي اليومية كما هي رغبة الشجار الذي كنت اتصنعه او اختلقه وامي كذلك كان طبقا يوميا نتناوله جميعا .
- هل كان من الضروري قتل امك؟
لا اعرف كيف وقع تسلسل الاحداث عندما رأيتها تشهر السكين في وجهي ثم تضعها قرب رقبتي طار صوابي واعتقدت انها سوف تذبحني بالرغم من انني على يقين انها لن تفعلها لان قلب الام رحيم وطيب ولو ارادت فعلها لفعلتها من زمن بعيد ، كانت تهددني ليس الا ولكن خيالاتي المريضة تصورت عكس ذلك وخطفت السكينة وغرزتها في بطنها.
- وهل كان من الضروري فرمها؟
كان منظر الدم قد استفزني وانساني نفسي وانساني انني ابن هذه التي افرمها وتخليت انني بعملي هذا سأطمس اثار جريمتي لكنني لم اطق الاحتفاظ بسر قتلها ساعة واحدة فذهبت الى الشرطة لابلغهم بما حدث..
- هل صدقك الضابط اول مرة ؟
الحقيقة انه لم يصدقني خصوصا حكاية فرم امي واعدت عليه الرواية مرتين وعندما وقف امام اللحم المفروم فقد اعصابه واخذ يضربني بشدة وهو غير مصدق بان ابنا يفعل بأمه ما فعلت .
- ما هو الشعور الذي انتابك وانت تلقي بلحم امك في المفرمة؟
انتابني الشعور بانني القي بلحمي انا في المفرمة كنت انتقم من ابي وامي ونفسي ووضعي وحياتي كلها كانت فوهة المفرمة طريق النجاة الابدي كلما رميت فيها قطعة لحم كنت اتصور بأنني اعبر الى درب السلامة الذي سيوصلني الى بر الأمان والخيوط اللحمية التي تخرج من الجهة الثانية من المفرمة كنت اراقبها واتمنى ان تتسارع وتتكثف اكثر وان تتوسع الفتحات ليخرج اللحم بكميات اكبر وهي ممتزجة بالدم.
- وكيف ترى نفسك الان بعد الذي فعلته؟
انا انسان محطم ينتظر جزاء فعلته ولا اعتقد انه اقل من الاعدام سأقول للقضاه اعدموني لا اريد ان اعيش بعد الذي ارتكبته ليس امرا هينا ان يظل الابن يتنفس هواء نقيا وفي مخيلته صورة مرعبة لهول ما فعل الى الان لم اصدق ما جرى وسوف لا اصدق ما جرى وعند حبل المشنقة قد تتغير الامور وتصبح الصورة اكثر يقينا وقد اقابلها في الحياة الاخرى واطلب منها ان تسامحني .
- هل ستسامحك في تصورك؟
سأقابلها هناك وأرى
- هل هناك كلمة ما تريد ان تقولها لنا؟
لا اريد شيئا منكم سوى ان تقولوا لأبي :سامحك الله ...