محمود موسى خليل
مجاهد قسامي
2001-07-01
الشهيد القسامي المجاهد: محمود موسى سليمان خليل "حلاجيه"
مجاهد من جنين لن تمحوه الذاكرة
صفحات كثيرة طوتها جنين حملت بين طياتها سير سلسلة طويلة من رجال القسام ، قافلة تتلو قافلة ، رجال أفنوا عمرهم في بناء أركان حماس مذ وعوا في هذه الدنيا ، فكانوا اللبنة الأولى في تركيبة الحركة عند انطلاقها ، ثم شكلوا وقود سواعدها الرامية في الانتفاضة الأولى ، ثم كانوا الركيزة التي تأسست على أكتافها كتائب القسام في المنطقة ، ومن هؤلاء رجل المحراب والبندقية محمود موسى خليل حلاجية " أبو مصعب " .
المولد والنشأة
ولد شهيدنا في 16/6/1967، في مخيم جنين ، ليبدأ مشواره مع الحياة بنكسة حزيران ، ففقد جراء ذلك والده ولم يبلغ من العمر الشهور الأربعة ، ففي خضم النكسة وخلال عودة والده من الأردن فقد في الأغوار ،ولم يعثر له على اثر إلى الآن ،روايات تقول انه استشهد ، وأخرى تقول انه قد يكون في غياهب السجون ، ولكن الحقيقة أن أبا مصعب وعى على هذه الدنيا دون أن يرى أباه ، فنشأ يتيما لأخوين و أربعة أخوات وأم صابرة مرابطة ، ورغم قسوة الحياة على هذه الأسرة إلا أن دفء حاضنة الإخوان التي ضمته و أخوه منذ الصغر كانت خير معوض عن حنان الأبوة ، فتربى في المساجد ، ونشأ في رحاب القرآن ، وكان ابنا بارا للحركة يدافع عنها بكل شراسة في كل المحافل ، وكما يقول رفاقه "كان يشد به الظهر أوقات الملمات " .
صفاته ومناقبه
كان زاهدا في الدنيا ، غير مقبل على متاعها ، يشاهده الجميع كل يوم وهو يقود جراره الزراعي ، الذي يقتات منه من جهة ، وينقل عليه مواد للحركة أوقات الاحتفالات والمسيرات ، لقد سخر كل شيء يملكه لخدمة الدعوة ، الجميع يشاهده دائما بمناسبة وغير مناسبة وهو يرتدي بدلة عسكرية ، حتى قبل انتفاضة الأقصى ، لباس عسكري كامل وكأن هذا اللباس لم يخلق إلا له ، حتى أن الناس يشبهونه بالقائد الشيشاني خطاب ، فقد كان طويل الهامة ، شديد البأس إلا على إخوانه.
رحلة طويلة مع الاعتقال
يذكر رفاق الشهيد أبو مصعب أنه تعرض للاعتقال عشر مرات ما بين الأعوام 1989 و2000 ، منها ما هو في سجون العدو الصهيوني ، ومنها ما هو في سجون السلطة الفلسطينية ، وكانت البداية مع انطلاقة الانتفاضة الأولى اعتقال دام ثمانية اشهر ، و آخر يمر فيه بفترة تحقيق عصيبة ، وثالث في الاعتقال الإداري ، وخلال كثير من هذه الاعتقالات كان يرافق أستاذه في الجهاد الشيخ القائد الشهيد نصر جرار ، أبو صهيب ، ففي عام 1994 اعتقل أبو مصعب على خلفية علاقته بعملية العفولة التي نفذها الاستشهادي رائد زكارنه ردا على مجزرة الحرم الإبراهيمي ، واعتقل في نفس الحملة الشيخ نصر جرار على ذات التهمة ، ورغم أن الاستشهادي رائد قد انطلق لتنفيذ عمليته من منزل الشهيد محمود موسى ، أبو مصعب ، وبعلاقة مباشرة مع الشيخ نصر جرار ، إلا أن المخابرات الصهيونية لم تتمكن من إثبات أية علاقة للشهيدين بهذه العملية رغم التحقيق العسكري القاسي الذي تعرض له الاثنان ، خرج شهيدنا بعد عدة اشهر من الاعتقال ، والشيخ نصر بعد عدة سنوات في الاعتقال الإداري ، خرج الاثنان منتصران ، مسجلان صفعة قوية لأجهزة الأمن الصهيونية التي كانت على قناعة بتورطهما في تلك العملية إلا أنها لم تكن تمتلك أية إثباتات.
الاعتقال السياسي
ومع انطلاق مسلسل الاعتقالات السياسية التي كانت تشنها أجهزة الأمن الفلسطينية ضد المجاهدين ، تعرض شهيدنا في العام 1998 للاعتقال على خلفية عمله الجهادي واستمر احتجازه هذه المرة حتى انطلاقة انتفاضة الأقصى في العام 2000 ،وذلك في سجن جنين المركزي ، وبعد الإفراج عنه بدأت رحلة جديدة من المقاومة في عالم انتفاضة الأقصى المباركة ….
شهور قليلة قبل انطلاقة انتفاضة الأقصى تعرضت حركة حماس في منطقة جنين إلى ضربة شديدة من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية أفضت إلى اعتقال العشرات من كوادر و أبناء الحركة في سجني جنيد في نابلس وجنين المركزي، وكانت تلك الحملة بسبب تواجد الشهيد القائد محمود أبو هنود في المنطقة وبهدف اعتقاله أو تصفيته كآخر رمز للمقاومة في تلك الفترة ، ومع بداية الانتفاضة ألقيت على كاهل الشيخ نصر جرار ، قائد كتائب القسام في جنين مهمة شاقة تمثلت في بناء ما تردم و إعادة الحياة إلى جهاز الكتائب في جنين ، فبدأ في تشكيل المجموعات الجهادية ،وكان من أشد المقربين له كما في السابق شهيدنا أبو مصعب ، ذراعه الأيمن الذي لا يبارحه.
صفعات لمنظومة الأمن الصهيوني
ولم يكن الشيخ بحاجة إلى فترة طويلة حتى يبدأ بتوجيه الصفعات للعدو الصهيوني ، فكانت باكورة عمل هذا البناء الجديد أول عملية تفجير تتم في مدينة الخضيرة في انتفاضة الأقصى بعد 40 يوما فقط على بداية الانتفاضة ، وذلك عبر تفجير سيارة مفخخة بالتحكم عن بعد في مركز مدينة الخضيرة مما أدى إلى مقتل ثلاثة صهاينة وجرح 52 آخرين حسب الناطق العسكري الصهيوني ، لم يكن هذا هو الخط الوحيد في العمل بل رافقه عمل يومي منظم من الاشتباكات المتواصلة ضد أهداف عسكرية واستيطانية في الشوارع الإلتفافية المحيطة بمدينة جنين .
ضريبة المقاومة
ومع استمرار الأعمال الجهادية لهذه الثلة المؤمنة ، تعرض الشيخ نصر جرار إلى إصابة جراء انفجار عبوة ناسفة به قرب معسكر صهيوني ما أدى إلى بتر يده و إحدى قدميه ، حيث مكث عدة اشهر في مستشفى الرازي في المدينة ، وخلال تلك الفترة كان الشهيد محمود حارسه الشخصي الذي يسهر باستمرار على حراسته ، وكم كان متأثرا بما حدث لأستاذه في الجهاد .
مقبل غير مدبر
وفي إحدى الليالي بتاريخ 1/7/2001 وبعد أن أنهى أبو مصعب مدته المقررة في الحراسة ، توجه مع مجموعة من مقاتلي الكتائب لعمل اشتباك روتيني مع دوريات العدو قرب معسكر الزبابدة ،وبعد إطلاق متبادل للنيران أصيب اثنان من مقاتلي القسام بجروح ووقعا في قبضة العدو ، هذان الاثنان هما شهيدنا محمود موسى خليل "أبو مصعب" ، ورفيق دربه الشهيد القسامي جمال ضيف الله حسن ، شهود عيان قرب المنطقة أفادوا أنهم شاهدوا سيارة إسعاف صهيونية تنقل الشهيدين وهما على قيد الحياة حيث كانت إصابتهما متوسطة ، إلا أن سلطات العدو سرعان ما أعلنت عن مقتل اثنين خلال اشتباك مسلح قرب جنين ،بعد أن أعلنت في وقت سابق أن اثنين قد أصيبا .
جريمة بشعة
حركة المقاومة الإسلامية حماس أصدرت بيانا أعلنت فيه أن العدو قام بإعدام الشهيدين بدم بارد بعد اعتقالهما على قيد الحياة ، وطالبت المؤسسات الحقوقية التحقيق في هذه الجريمة النكراء ، العدو الصهيوني ومن أجل إخفاء معالم جريمته رفض تسليم جثماني الشهيدين ،كما ورفض السماح لأية جهة بالتحقيق في تفاصيل الجريمة ، وبعد تدخل مباشر من قبل عضو الكنيست السيد عصام مخول ، تمكن من استصدار قرار يسمح بموجبه بتسليم جثماني الشهيدين بعد شهر كامل من الاحتجاز ، ومما تسرب من تقرير الطبيب الشرعي الذي فحص الجثمانين فان رصاصة قاتلة أصابت جسد الشهيد أبو مصعب تختلف عن الرصاصات الأخرى التي أصابت جسده ، مما يؤكد أنه تم إعدامهما في وقت لاحق بعد أن خضعا لتحقيق قاس حيث بدت علامات ضرب على جسديهما.
الانتقام..يا كتائب القسام
استفزت هذه الجريمة النكراء جموع المواطنين في محافظة جنين ، التي طالبت برد قاس على هذا العمل، ومما عزز من ذلك الشعور السيرة الطيبة التي تمتع بها الشهيدان فقد كانا علمين في العطاء والتواضع ، وكانا خسارة كبيرة للحركة الجهادية بإجماع كل القوى المجاهدة، فالشهيد جمال ضيف الله حسن ،كان قد قدم من الأردن قبل استشهاده بعدة سنوات لا لشيء إلا من اجل الجهاد في سبيل الله في صفوف كتائب القسام علما أنه كان نقيبا في صفوف الأمن الوطني الفلسطيني ، وقد جمعت شهيدنا أبو مصعب والشهيد جمال ضيف الله والشهيد القائد أبو جندل علاقة وثيقة وكانت لهم صولات كثيرة مشتركة في ساح الجهاد.
رحل أبو مصعب في 1/7/2001 ، وأكثر ما عرف عنه أنه كان يردد بيتا من الشعر حسب ما تقول زوجته ورفاقه هو :
كفكف دموعك ليس في عبراتك الحرى ارتياحي
هذا سبيلي إن صدقت محبتي فاحمل سلاحي
رحل أبو مصعب ، ولحق به الشيخ نصر جرار ، ولحق به طابور طويل من مقاتلي القسام ، ممن عاصرهم وعمل معهم هذا الشيخ الفاضل : مهند ابن الهيجا ، نزيه أبو السباع ، امجد ومحمد الفايد ، محمود الحلوة ، قيس عدوان ……كوكبة عظيمة ، هل ستحفظ الأجيال القادمة وصيتها ؟وتصون أمانتها ؟ ذاك هو ما تعول عليه المقاومة ..